قيادة والمراهقة
إشباع حاجات المراهق
مقدمة:
الحاجة تكوين فرضي، يمثل حالة من الافتقار إلى شيء ما، إذا ما تواجد تحقق الإشباع والرضا، وهناك علاقة وطيدة بين الدافع والحاجة، فالدافع يتولد نتيجة وجود حاجة معينة لدى الفرد، كما تخضع الحاجة إلى مفهوم التصاعد الهرمي القائم على أن الحاجة ذات المستوى الأرقى لا تظهر حتى يتم إشباع أخرى أكثر رغبة وسيطرة.
وتتميز مرحلة المراهقة بالنضج السريع، واتساع دائرة العلاقات الاجتماعية وتعددها، وتنوعها وينجم عن هذه الوضعية الجديدة احتياجات جديدة لدى المراهق، وفي مقدمتها:
- الحاجة إلى الضبط الذاتي.
- الحاجة إلى الاستقلال.
- الحاجة إلى الانتماء.
- الحاجة إلى القيم.
- الحاجة إلى التقبل الاجتماعي.
- الحاجة إلى التكيف.
ومن واجبات القيادات المسؤولة على مرحلة المراهقين، أن تعي مكونات ومطالب إشباع هذه الاحتياجات، وكيفية توظيفها واستثمارها كطاقة بناءة في تحول المراهق واندماجه مع نظام ونشاط وآليات عمل المجموعة الكشفية خاصة، والحياة الاجتماعية عامة.
1/ الحاجة إلى الضبط الذاتي:
يشعر المراهق بهذه الحاجة، نتيجة لأنه محدود التجربة محدود الخبرة، شديد الحساسية، يسبب له النضج الجسمي والجنسي السريع كثيراً من الاضطراب والارتباك في المعاملة خاصة مع الجنس الآخر.
وإن الحياة في الحركة الكشفية المعتمدة على نظام الطلائع تساهم بشكل كبير في:
- تطوير تجارب المراهق من خلال الاحتكاك مع أقرانه، وتحمل المسؤولية، والتعبير عن آرائه، والتواصل مع الجنسين في شروط تربوية سليمة ترتكز على الاحترام المتبادل.
- اقتراح إطار للتثقيف الذاتي، والذي وصفه "بادن باول" بأنه (التثقيف البناء) وهو عكس مصطلح (التلقين الفارغ).
- تهذيب سلوك المراهق، وتقوية آلية الضبط الذاتي الداخلي.
- المساعدة على تقبل التغيرات الجسمية والجنسية، باعتبارها سمة عامة وقاسم مشترك بين أعضاء المجموعة الكشفية التي ينتسب إليها، بل هي مقوم أساسي ومرتكز ضروري للإيفاء بمطالب نظام التقدم الكشفي.
- إدراك الذات إدراكاً متوازناً، مبنياً على المفهوم والوعي السليمين.
2/ الحاجة إلى الاستقلال:
يعتبر الاستقلال العاطفي والمادي من أهم حاجات المراهق، ولا شك أن النضج الجسمي يدفع المراهق إلى محاولة الاعتماد على النفس والاستقلال في اتخاذ القرارات التي تتصل بذاته، ويلاحظ أن كثيراً من الآباء والأمهات يقفون حجر عثرة في طريق تحقيق وإشباع الدافع إلى الاستقلال، وذلك بحجة الخوف من المراهق.
والحركة الكشفية كمؤسسة تربوية تتمتع بقدرة كبيرة على أن:
- تلعب دور الجسر الرابط بين كل من حاجة المراهق إلى الاستقلال، ورفض وتردد الأسرة، وذلك من خلال توفير الأنشطة الفردية والجماعية، التي تساعد المراهق على تحقيق ذاته والتعبير عن آرائه، وأفكاره.
- تحقيق الاستقلال الانفعالي، وتكوين اتجاهات إيجابية نحو الجنس الآخر، ونحو نفس الأقران من نفس الجنس، ونحو الوالدين والأسرة والمجتمع.
- تتيح الفرص المناسبة لتحمل المسؤولية داخل المجموعة الكشفية، وحفز المراهق وتشجيعه على المواءمة بين الحاجة إلى الاستقلال، واحترام الضوابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية، وكذا المواءمة بين الاستقلال والولاء للمجموعة الكشفية، والذي يعزز ضمنياً مطالب الولاء للأسرة الصغيرة والكبيرة: (الوالدين، والمجتمع)، ويحقق مطلب النمو لدى المراهق، حتى يكون مستعداً لتحمل مسؤولياته في المستقبل.
3/ الحاجة إلى الانتماء:
يؤدي التعارض بين الحاجات المختلفة إلى أن يشعر المراهق بعدم الأمان، فرغبته في الاستقلال تعارض حاجته إلى الاعتماد على سند من الأبوين والأسرة، ويؤدي عدم الشعور بالأمان إلى ظهور دافع جديد هو الحاجة إلى الانتماء.
ويمثل نظام الطلائع نظاماً نموذجياً لإشباع حاجة المراهق للانتماء من خلال:
- ما يوفره من تفاعل وتعاون لأهداف مشتركة، وتوزيع دقيق للمهام والأدوار، حيث ينتقل المراهق من (الأنا الفردية) إلى (النحن الجماعية).
- تعميق الروح الجماعية لدى المراهقين، وحب التبعية لقوانينها، والإذعان لرأيها، والخضوع لما تراه، وتقرره، بما يساهم ولا شك في تخليص المراهق من الأنانية والأثرة الفردية المتسلطة، ومن العزلة.
-إتاحة الفرصة لبلورة الشخصية داخل الجماعة، وإقامة علاقة مع الجماعات الأخرى.
- تقوية الشعور بالانتماء عند المراهق، وذلك تجاه الوحدة الكشفية، ومن ثم المجتمع المحلي، والقومي، والعالمي.
4/ الحاجة إلى القيم:
كثيراً ما تصطدم حاجات المراهق ورغباته بالقيم والتقاليد الاجتماعية، والنضج الجنسي الذي يبلغ مداه، ويستولي على تفكير المراهق وحياته، ويؤدي التعارض بين حاجات المراهق وقيم المجتمع إلى الصراع الداخلي.
والحياة داخل الأسرة الكشفية التي تستمد قوتها من المنظومة القيمية لرسالة الحركة الكشفية النبيلة، ممثلة في (الوعد والقانون) اللذان يشكلان الوعاء التنظيمي للحياة المنسجمة مع تعاليم الشرائع السماوية، والضوابط الكشفية على المستويين النظري والعملي، كفيل بامتصاص هذه الحاجة وتصريفها بالطرق المناسبة، اعتماداً على:
- تعميق الوعي والحس الديني لدى المراهق عن طريق التطلع إلى عالم ما وراء الماديات، بحثاً عن الحقيقة الروحية.
- اكتشاف القيم التي تعطي معنى للحياة.
- السعي المتواصل من أجل ممارسة المراهق للقيم كمنهاج للحياة.
- الإكثار من الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية الهادفة، التي تعتمد على المنافسة، والقوة البدنية، وعلى الحركة والتفاعل، والتي تساعد على تفريغ الطاقة الحيوية وشحنات القلق لدى المراهق، والعمل على إعلانها، بما ينسجم مع القيم الاجتماعية السليمة.
5/ الحاجة إلى التقبل الاجتماعي:
لكي ينجح المراهق في المرحلة التي يمر بها، وفي تحقيق مطالبها ومسؤولياتها المتعددة، فإنه يحتاج إلى الشعور بالتقبل ممن حوله في المنزل، أو في المدرسة، أو في المجتمع الذي يعيش فيه بصفة عامة، ويعتبر شعور المراهق بتقبل الأبوين والأسرة له من أهم عوامل النجاح، كما يعتبر شعوره بالنبذ منهما من أهم أسباب الفشل.
وإن الروح الجماعية التي تقوم عليها الحركة الكشفية في نظامها، وأنشطتها، وممارساتها المختلفة، وانفتاحها على جميع الفئات والشرائح الاجتماعية تهيأ المناخ المناسب للمراهق للتقبل الاجتماعي، وذلك من خلال:
- انخراطه واكتسابه للهوية داخل نظام المجموعة، مما يحقق له الأمان النفسي، ويساعد على التوازن الانفعالي في جميع مراحل النمو.
- تحقيق الذات عن طريق اكتشاف الطاقات والقدرات، وحسن استغلالها.
- القدرة على حب الآخرين بجانب حب الذات، وعلى تحويل التجارب الشخصية إلى رغبات إنسانية.
- التأكيد على تنمية العلاقات البناءة مع الآخرين من الأقران والراشدين، والتشبع بقيم الحياة الديمقراطية.
6/ الحاجة إلى التكيف:
التكيف الاجتماعي ضروري لكل فرد في أي مرحلة من مراحل النمو، ولكنه في مرحلة المراهقة أكثر ضرورة منه في غيرها، وذلك لما يمر به المراهق في هذه المرحلة من صراعات وتغيرات كبيرة.
وتقدم الحركة الكشفية بناء على نظام المجموعات، ومجالات المنهاج الكشفي المتكاملة، والأنشطة المختلفة، والقيادة الرشيدة، دعماً قوياً لتوفير الفرص المناسبة لتكيف المراهق، وتحقق الملامح الأولى لهذه العملية، عن طريق:
- الحياة داخل المجموعة الكشفية التي تقوم على التعاون مع الأعضاء في جو من الاحترام المتبادل والألفة والإيثار، والانضباط، والولاء لقانون ونظام الحركة الكشفية.
- تكوين علاقات إيجابية مع الجنسين.
- إتاحة الكثير من الفرص المتنوعة للممارسة، والتي بمرور الوقت تساهم في تنمية شخصية المراهق، وتعميق خبراته.
- المساعدة على الحياة والنمو لتحقيق مزيداً من الاستقلالية والتعاون والمسؤولية والالتزام.
إعداد : د. خالد الفارس